ميداليات تبكي أصحابها
أوجعها المشهد الأخير، ممددة هي على سرير العناية المركزة، في غيبوبة دائمة، -لسوء حظها كما قالت لمن حولها- أن تستيقظ لدقائق بعد أيام ثم تغفو.. دقائق ترى فيها أنصاف أقدامها، تلحظ بكاء أبيها كالأطفال، يجلس قبالتها بلحيته التي غزاها الشيب خلال عشرين يومًا فقط!!
يبكيها وقد أصبحت قعيدة الفراش بعد أن كانت شعلة نشاط كما يصفها الجميع، يبكي أحلامها التي اغتيلت مع ساقيها، وتلك الأمنيات التي دُفنت مع قدميها، ويحزنه يومياتها التي كانت تسعده وهي تلعب الكاراتيه وسط البيت بعد عودتها من النادي، أما أكثر ما قهر الأب المكلوم انتظارها على بوابات معبر رفح المغلقة كي تشارك في بطولات عالمية في الكاراتيه.
اغتيالُ حلم
"نغم أبو سمرة" لاعبة الكاراتيه التي كانت مفعمة بالحياة، تبدأ تمرينها الصباحي برفقة المشاركات معها داخل النادي، تحفزهن بعبارتها الشهيرة: "في الحركة بركة" ويبدأن تمارينهن بشغف، حيث افتتحت أول مركز رياضي لتعليم فتيات غزة رياضة الكاراتيه، بعد نيلها درجة الماجستير في العلوم الرياضية.
حين جاءت الحرب، اشتاقت "نغم" لطقوسها داخل نادي الرياضة، أرسلت للمشاركات عن شوقها لانتهاء الحرب والعودة للحياة، فيرسلن لها: كيف يمكننا استغلال الحرب لتمرين أجسادنا؟؟
تجيبهن بضحكة المقهور: "تكفي رحلات النزوح من بيت لآخر، من منطقة لأخرى، ومشي الكيلومترات للحصول على زجاجة ماء، أو كيس طحين، في وقت عزت فيه الحياة في غزة وانقطع شريانها"!
لحظة واحدة، صاروخ واحد، صرخة واحدة قلبت حياة بطلة غزة "أبو سمرة" رأسًا على عقب، استشهدت شقيقتها وقصفوا بيتهم وبترت قدماها، يقول والدها لمنصة القدس 360 : "اغتيلت أحلام نغم ببتر قدميها ولم يستجب أحد لدموعي وأنا أناشد العالم كله لتسهيل سفرها عبر معبر رفح لكن دموعي هانت على الجميع".
ولأن السعادات تذهب مرة واحدة من حياة الفلسطينيين، التحقت "نغم" بشقيقتها ورحلت شهيدة بسبب نقص العلاج والمعدات الطبية بعد أن خذل العالم الأصم وتجاهل دموع أبيها،
تاركة وراءها ميداليات تنتظر تتويجها، وكؤوس تستحق أن تهدى لها أمام العالم كله!
ليسوا أرقامًا
وفي حديث مع المعلق والصحفي الرياضي في غزة فادي محمد، وثقت منصة القدس 360 بعض الشهداء الرياضيين الذين استهدفوا في غزة منذ بدء حرب الإبادة، يقول: "هناك خسائر فادحة في الحركة الرياضية من لاعبين ومدربين ورموز رياضية، كأحمد هارون مدرب نادي الرباط لكرة اليد والذي استُشهد في قصف مدفعي استهدف منزله في مخيم النصيرات وسط غزة ، وأنس الدبجي لاعب سابق في أندية دير البلح والجلاء، قضى بقصف جوي استهدف منزله غرب مدينة دير البلح، ومحمد بركات نجم كرة القدم وعُرِف باسم "أسطورة خان يونس"، استُشهد في غارة جوية في خان يونس في شهر مارس عام 2024م".
ويكمل حديثه بذكر بعض الرموز الرياضية التي تم استهدافها: "إبراهيم قصيعة وحسن زعيتر لاعبا كرة الطائرة من منتخب فلسطين، استُشهدا معًا في ضربة جوية على مخيم جباليا في نوفمبر 2023م، ورشيد دبور – لاعب نادي الأهلي بيت حانون ومنتخب فلسطين، استُشهد مع عائلته في غارة على بيت حانون في أكتوبر 2023".
أكثر من 710 شهيدًا من الرياضيين منذ بدء الإبادة، بينهم 95 طفلًا، كما تضررت 273 منشأة رياضية بشكل كلي أو جزئي، يقول "فادي محمد": " ارتقى 396 لاعب كرة قدم منهم 95 طفلاً، و105 من الحركة الكشفية، ، كما ودعت الحركة الرياضية 234 رياضيًا من اتحادات رياضية متنوعة".
لم يكونوا يومًا أرقامًا، وليس مجرد صور على جدران النوادي، ولا أسماء في دفاتر البطولة، بل كانوا أحلامًا نابضة، تجاوزوا حدود الحصار، وكانوا يستعدون لرفع علم فلسطين في الميادين العالمية.
تحت الشمس صنعوا أسماءهم، وتحت الركام بقيت ميدالياتهم تبكيهم!