تقرير: سياسة الإخلاء القسري والتهجير تعود إلى واجهة التطورات في القدس المحتلة
قال تقرير الاستيطان الأسبوعي (21/6/2025 - 27/6/2025) الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان إن سلطات الاحتلال تستمر في استهداف الفلسطينيين في القدس وتصعد إجراءاتها ضدهم وتحول دون إمكانية وصولهم الى حقوقهم، حتى عبر الاستئناف على السياسة التمييزية العنصرية التي تمارس ضدهم في المدينة وتضعهم أمام مخطط تهجير قسري بدعاوى مختلفة لصالح المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية.
في هذا السياق، تحتل بلدة سلوان بأحيائها واجهة التطورات والأحداث من جديد، إذ تخطط سلطات الاحتلال لتهجير نحو 800 فلسطيني من حيّ بطن الهوى في سلوان من منازلهم وأراضيهم، بالتزامن مع مخططات مشابهة لتهجير نحو 500 فلسطيني من حي الشيخ جراح. وغير بعيد عن حي بطن الهوى، يتهدد الهدم والتهجير أكثر من 100 منزل يقطنها 1550 فلسطينيًا في حي البستان بسلوان.
وتواجه العائلات، التي تخطرهم هذه السلطات بهدم منازلها معركة قضائية أمام محاكم الاحتلال، بحيث يتم تجديد إخطارات هدم المنازل في كل مرة. يشار هنا إلى أن مساحة أراضي بلدة سلوان تبلغ 5640 دونمًا، وتضم 12 حيًّا يقطنها نحو 58,500 مقدسي، وتوجد في البلدة 78 بؤرة استيطانية يعيش فيها 2800 مستوطن.
ولكي يضيق الاحتلال الخناق على الفلسطينيين، أدخل في 2017/10/25 التعديل 116 لقانون التخطيط والبناء حيّز التنفيذ، وهو المعروف باسم قانون "كامينتس"، أحد القوانين العنصريّة الكثيرة ضد الفلسطينيين. ويشكّل هذا التعديل خطرًا كبيرًا على الوجود الفلسطينيّ، ذلك أنّه يزيد من شدّة العقوبات وسرعة تنفيذها من دون محاكمات. كما يعمل هذا القانون العنصري على إدخال تعديلات على قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي، تحدّ من صلاحيات المحاكم بتجميد أوامر الهدم، وتنقل صلاحيات تطبيق القانون إلى اللجان اللوائية القطرية التي تتبع الدولة، ويعمل على فرض غرامات باهظة ومستمرة على أصحاب البيوت غير المرخصة.
وفي هذا الصدد رفض قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية نوعام سولبيرغ، الأسبوع الماضي طلب الإذن بالاستئناف الذي قدمته عائلتا شويكي وعودة، اللتان حكم عليهما بإخلاء منزلهما في حي بطن الهوى لصالح المستوطنين. في المنزلين تسكن ثلاث عائلات تضم 19 فلسطينيًا، سوف يجبرون على إخلاء منزليهما لصالح مستوطنين على صلة بالمنظمة الاستيطانية "عطيرت كوهانيم".
وتعدّ دعاوى الإخلاء القسري جزءًا من حملة أوسع نطاقًا تهدف إلى ترحيل الحي، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 700 نسمة، بكامله قسرًا. وكان المستوطنون قد استولوا العام الماضي على ثلاثة منازل في الحي المذكور بعد إخلاء العائلات الفلسطينية التي كانت تسكنه. الأساس القانوني لمطالبات الإخلاء هو قانون تمييزي يسمح لليهود باستعادة ما تسميه هذه السلطات الممتلكات المفقودة في حرب عام 1948، بينما يحرم قانون آخر الفلسطينيين من الحق ذاته.
وتعد قضية هاتين العائلتين في حي بطن الهوى ذات أهمية خاصة، إذ تنتظر نتائجَها العديد من قضايا الإخلاء القسري الأخرى التي يجري تداولها في المحاكم الاسرائيلية.
وكان قاضي المحكمة العليا السابق، عوزي فوغلمان، الذي تولى القضية قبل تقاعده، قد طلب في كانون الأول 2022 من النائب العام عرض موقف الدولة على المحكمة نظرًا لأهمية القضايا المطروحة وتداعياتها، إلا أن النائب العام لم يُقدم رأيه. وبعد تقاعد القاضي فوغلمان، أُحيلت القضية إلى رئيس المحكمة العليا القاضي أميت. لكن بمجرد أن اتضح أنه غير مؤهل للنظر في القضية بسبب صلته بأحد المدعين، سُلمت القضية إلى القاضي نعوم سولبرغ. هذا القاضي كان قد رفض استئنافًا في قضيتي إخلاءٍ أخريين في بطن الهوى، هما قضيتا عائلتي غيث وشحادة. وقد قرر الآن أنه لم يعد هناك حاجةٌ إلى انتظار موقف الدولة، كما رفض طلب عائلتي شويكي وعودة الإذن بالاستئناف. وهذا يعني أنه في قضايا أخرى قيد النظر أيضًا، لن يُنظر في موقف الدولة، إلا إذا قررت الدولة تقديمه بشكل مستقل في تلك الإجراءات.
قضية العائلتين شوبكي وعودة غير معزولة عن قضايا عائلات أخرى يتهددها التهجير. فهناك خمس قضايا استئناف بعد صدور حكم إخلاء من محكمة الصلح في كانون الثاني 2025 لا تزال عالقة في المحاكم: منزل زهير رجبي – 7 عائلات و39 شخصًا؛ منزل عبد الفتاح الرجبي – عائلتان تضمان 18 شخصًا؛ منزل يعقوب طلال الرجبي – 11 عائلة تضمان 44 شخصًا؛ منزل يوسف بصبوص 4 عائلات تضمان 21 شخصًا ومنزل خليل بصبوص – 3 عائلات تضم 9 أشخاص، فضلاً عن 5 دعاوى إخلاء إضافية، تشمل عشرات العائلات وتستند جميع هذه الدعاوى القضائية إلى نفس الأساس التمييزي والعنصري الذي سنّه الكنيست عام 1970 (قانون الشؤون القانونية والإدارية) الذي ينص على أن اليهود الذين امتلكوا عقارات في شرق القدس وفقدوها عام 1948، يمكنهم استعادتها من حارس الأملاك العام الإسرائيلي، في تناقض فاضح مع قانون أملاك الغائبين لعام 1950، الذي ينص على أن الفلسطينيين الذين فقدوا عقاراتهم عام 1948 وأصبحوا لاجئين لا يحق لهم استعادتها.
ومعروف أن القانون الدولي يحظر سياسة الإخلاء، وهو ما أكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في تموز الماضي، حيث أشارت المحكمة (في الفقرات 119، 122، 163، 196) إلى سياسة الاستيطان الإسرائيلية في شرق القدس والنظام القانوني التمييزي، ولا سيما قانون أملاك الغائبين، الذي يفضي الى إخلاء الفلسطينيين من منازلهم لصالح المستوطنين. وقضت المحكمة بأن هذه السياسة تُشكل انتهاكًا للقانون الدولي.
كما أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة أعرب في تموز من العام الماضي عن قلقه إزاء مستقبل نحو 87 عائلة فلسطينية، تضم ما بين 600 – 800 مفلسطيني يتهددهم الإخلاء القسري من منازلهم في بلدة سلوان في شرق القدس، والذي يسهله تطبيق قوانين إسرائيلية غير قانونية وتمييزية ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة. وبعدما سرد المكتب عددًا من الحالات المستهدفة بالإخلاء، شدد على أن تلك الحالات تعد أمثلة على حملة منهجية مستمرة يشنها المستوطنون، وعلى تطبيق مجموعة من القوانين بشكل تمييزي بما في ذلك قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي وقانون الأمور القانونية والإدارية لعام 1970.
وغير بعيد عن حي بطن الهوى في بلدة سلوان، ما زال الفلسطينيون في حي الشيخ جراح يعيشون معاناة وحالة قلق على وجودهم. في هذا الحي يعيش نحو 600 فلسطيني ينتمون لعدد من العائلات، هي عائلات الكرد وإسكافي والقاسم وغيرها، وهي عائلات جرى تهجيرها من أراضيها في فلسطين عام 1948 مثل البقعة، ودير ياسين، ولفتا وحيفا ويافا، فسكنت حينها في كرم الجاعوني وكبانية أم هارون.
سكان هذا الحي كما هو واضح هم لاجئون فلسطينيون تم تهجيرهم من أراضيهم ومزارعهم سنة 1948، فعائلة الكرد لاجئة من حيفا، وعائلة صباغ من يافا، وعائلة الدجاني من بيت دجن ومن يافا، وعائلات الداهودي وأبو عرفة وغيرها من العائلات قدِمت لاجئة من أحياء غرب القدس. ويقيم في الحي عائلات تنازلت عن بطاقة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في مقابل حصولها من الادارة الاردنية على منزل وقطعة أرض صغيرة.
هذه العائلات تصارع مستوطنين يسكنون بينهم ويسعون بدعم من سلطات الاحتلال وخاصة وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير لإفراغ الحي من سكانه الأصليين بعدما استولوا على ثلاثة منازل هُجّر أصحابها الأصليون، وسكنوا فيها، لتصبح هذه المنازل نواة لمستوطنة يطلق عليه المستوطنون اسم "حي شمعون صديق".
وتقف وراء هذه الدعاوى المنظمة الاستيطانية "عطيرت كوهانيم" التي تنشط في البلدة القديمة وفي حي بطن الهوى في بلدة سلوان ، فيما تعمل شركة "نحالات شمعون" في الشيخ جرّاح الى جانب منظمات استيطانية أخرى ليست لها أي صلة بسكان الأملاك من اليهود، بل تبحث عن ورثة هؤلاء وتشتري منهم أملاكهم وترفع دعاوى لإخلاء هذه الأملاك من منطلقات أيديولوجية بهدف إقامة مستوطنات في قلب الأحياء الفلسطينية.
وفي السياق كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا " مؤخرًا النقاب عن أن أكثر من 680 فلسطينيًا هُجِّروا في النصف الاول من عام 2025 بسبب هدم منازلهم بحجة افتقارها إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية في المنطقة (ج) في الضفة الغربية وهو ما يربو على ضعف هذا العدد خلال الفترة ذاتها من عام 2024.
وذكر المكتب أنه منذ بداية التصعيد العسكري بين دولة الاحتلال وإيران في 13 حزيران الجاري، تواصل القوات الإسرائيلية تشديد القيود التي تفرضها على التنقل إلى الضفة الغربية وفي داخلها، وأنها أُغلقت الحواجز الرئيسية المقامة على الطرق الحيوية إغلاقًا كاملًا، كما أغلقت جميع بوابات الطرق المؤدية إلى مدينة الخليل ومنعت وصول سكان معظم البلدات الفلسطينية إلى شارع 60، الذي يُعد الطريق الرئيس الذي يربط شمال الضفة بجنوبها، فيما استمرت حركة المستوطنين على الطرق من دون انقطاع، كما نفذت السلطات الإسرائيلية عملية هدم جماعية في تجمّع خلة الضبعة السكاني بمحافظة الخليل، وهذه هي الحادثة الرابعة من نوعها في سنة 2025. ومن بين 78 مبنًى هُدمت في التجمع خلال هذه السنة، كان ما نسبته 62% منها مقدمة كمساعدات إنسانية.