شارك وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في 2025/9/15، في افتتاح مقطع جديد من نفق "طريق الحجاج" التهويدي أسفل بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، بعد يوم من مشاركته في طقوس دينيّة يهودية عند حائط البراق المحتل.
ولا تبدو هذه المشاركة غريبة إذا وضعت في سياق سياسات إدارة ترامب الداعمة لدولة الاحتلال، وهو دعم كان بارزًا في ولاية ترامب الأولى عندما أعلن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة، إلى جانب مشاركة السفير الأمريكي في "إسرائيل" ديفيد فريدمان ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط في افتتاح مقطع من "نفق الحجاج" التهويدي في عام 2019.
من البيت الأبيض إلى القدس: حضور المسيحية الصهيونية
يقول الباحث في شؤون القدس علي إبراهيم إنّ تصرفات روبيو الأخيرة، وتصريحات سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الأراضي المحتلة مايك هاكابي، أو ممثله في المنطقة توماس باراك، تتماشى تمامًا مع مواقف إدارة ترامب، في تقديم الدعم المطلق للاحتلال، وتبرير ما يقومون به، بل وصلت إلى حدّ الدعوة المباشرة إلى تغيير الحدود الحالية، بذريعة أن أراضي كيان الاحتلال أصغر مما يجب.
ويلفت إبراهيم، في مقال تابعة موقع القدس 360، إلى أنّ صحيفة "هآرتس" العبرية كانت أشارت مع بداية اختيار ترامب لفريقه، إلى أن هذه التعيينات تتماشي مع سياسة تقديم المزيد من الدعم لليمين الإسرائيلي، فيما وصف تقرير في صحيفة الغارديان البريطانية فريق ترامب بأنه "فريق الحلم" بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي، وأنهم سيقدمون "فرصة استثنائية" لتوسيع سيطرة "إسرائيل" على القدس والضفة الغربية المحتلتين.
ويعدّ هؤلاء، وفق إبراهيم، جزءًا من "المسيحية-الصهيونية"، التي تؤمن بضرورة الدفاع عن كيان الاحتلال، وعلى دعمها بكل ما هو ممكن ومتاح، وما يتصل بالإيمان بالنبوءات التوراتية، ونهاية الزمان و"هرمجدون"، وعودة "المسيح المخلص" وغيرها، وقد انتشرت مع تولي وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، مقاطع مصورة قبل توليه منصبه، تُظهر إيمانه العميق بفكرة "الهيكل"، ومن ذلك تصريح له في عام 2018، خلال خطابٍ ألقاه في القدس المحتلة قال فيه: "لا يوجد سبب يجعل معجزة إعادة بناء الهيكل في جبل الهيكل مستحيلة"، كما وشم جسده بالصليب الذي يحاكي ذلك الذي اتخذته الحملات الفرنجة على المشرق.
ويلفت إبراهيم إلى أنّ هذا الانحياز الكامل للاحتلال، والموروث الديني الذي يتصل بها، لم يبقَ حبيس التصريحات والأحاديث الإعلامية فقط، بل تُرجم على أرض الواقع عبر الدعم الأمريكي غير المسبوق لدولة الاحتلال سواء في استمرار المجازر ضد الفلسطينيين في قطاع غزة من دون ضغط حقيقي لوقف إطلاق النار، أو في تسريع وتيرة تهويد القدس ومحاولات ضم الضفة الغربية، والدعوة إلى توسيع حدود الاحتلال.
الدلالات السياسية والدينية للمشاركة
يرى إبراهيم أنّ القرارات التي أصدرها ترامب في ولايته الأولى، وما جرى من تطورات في الأسابيع الماضية، تؤكد أن هذه المشاركة ليست عابرة البتّة، بل تحمل جملة من الدلالات الخطيرة، أخطرها توقيت الحدث، فقد شارك روبيو في الافتتاح قبيل عقد القمة العربية-الإسلامية الاستثنائية، لبحث العدوان الإسرائيلي على الدوحة.
فعلى الرغم من الرفض العلني والانزعاج الأمريكي، الذي حاولت إدارة ترامب الترويج له، إلا أن الرد الحقيقي جاء قرب المسجد الأقصى، وتدنيس روبيو رفقة نتنياهو لحائط البراق، ومن ثم النفق التهويدي، وفي استقراء المعنى المضمر، بأن الإدارة الأمريكية تُعطي الضوء الأخضر لاستهداف مدن العالم الإسلامي وعواصمه، وتُشارك مباشرة في تدنيس ثالث المقدسات الإسلامية، في سياق إيمانها الجليّ بأحقية الكيان لها، وتشريع ما تقوم به من تهويد واستهداف وغيرها.
ومن الدلالات الأخرى، يضيف إبراهيم، الرعاية الرسمية الإسرائيلية لتهويد القدس، إذ تُشير مشاركة نتنياهو في افتتاح النفق، وعقد اجتماعات الحكومة في أنفاق أسفل الجهة الغربية في أوقاتٍ سابقة، إلى أن ما تقوم به أذرع الاحتلال التهويدية يتقدّم برعاية مباشرة من سلطات الاحتلال، وابتداءً برأس الحكومة الإسرائيلية.
كما تدل المشاركة على التماهي الأمريكي مع أطروحات هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، والذي وصل حدّ تأمين الغطاء للمضي في قضم أجزاء من الضفة الغربية، والمشاركة المباشرة في تهويد القدس المحتلة، إلى جانب أنها تمثل غطاءً أمريكيًا مباشرًا لأعمال التهويد، وهو ما يتصل بالاعتراف السابق بسيادة كيان الاحتلال على شطري القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمة للكيان، ما يرفع من خطورة ما يُمكن أن تقوم به أذرع الاحتلال داخل الأقصى بالتزامن مع موسم الأعياد العبرية القادم.
ويبين أنّ ما قام به وزير الخارجية الأمريكي روبيو يؤكد التزام الإدارة الأمريكية الحالية بتوجهات اليمين المسيحي الصهيوني، ما يعني أن السياسات الأمريكية في المنطقة ستستمر في دعم المشاريع الاستيطانية، والسماح للاحتلال بحسم مختلف الملفات والقضايا، ابتداءً من القدس والأقصى ووصولًا إلى غزة.
ويختم الباحث إبراهيم بتأكيد محاولات الاحتلال المضي قدمًا في حسم هوية القدس، حيث يسعى إلى تحويل القدس إلى عاصمة يهودية المعالم والسكان، ما يعني أن المرحلة القادمة ستشهد مزيدًا من الاستهداف لهذه المدينة وسكانها، وفي القلب منها المسجد الأقصى.