مقالات

كيف حارب الاحتلال انتفاضة الأقصى وما أبرز تداعياتها عليه؟

في 2000/9/28، اقتحم أريئيل شارون الأقصى بحماية مشدّدة من قوات الاحتلال، وتجوّل في ساحاته وصرّح أنّ المسجد "سيبقى منطقة إسرائيلية". جاء هذا الاعتداء في ظرف سياسي شهد انسداد أفق المفاوضات وفشل كامب ديفيد، فشكّل شرارة اندلعت على أثرها انتفاضة الأقصى التي استمرّت على مدى خمس سنوات، وتوقفت في 2005/2/8 مع توقيع اتفاق للتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في شرم الشيخ جمع كلاً من محمود عباس، المنتخب حديثًا خلفًا للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وشارون الذي كان حينها رئيس حكومة الاحتلال.

واعتمد الاحتلال جملة من الأساليب للقضاء على الانتفاضة وإنهائها، وتعدّدت وسائله بقدر حاجته إلى القضاء على أي محاولة لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال، وهذه الوسائل هي ما يسمّيها الاحتلال بالوسائل الردعية، وهي في واقع الحال عقوبات جماعية ضدّ الفلسطينيين، وقد عمد إلى مثيلاتها لاحقًا للقضاء على انتفاضة القدس التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2015.

وكان من بين الإجراءات بناء الجدار العازل حول الضفة الغربية، وإقامة مناطق أمنية عازلة وتعزيزها بأسيجة إلكترونية، لا سيما في قطاع غزة. كذلك، استعمل الاحتلال الوسائل التقنية والتكنولوجيا المتطورة لرصد تحركات المقاومة في الضفة والقطاع، وعمد إلى استعمال الرصاص الحي ضد الفلسطينيين، والرصاص المتفجّر، والمروحيات والدبابات، والقنص بالأسلحة الكاتمة للصوت. ونفّذ الاحتلال عمليات توغل في الضفة والقطاع، وارتكب الجرائم والمجازر، كان من بينها مجزرة مخيم جنين عام 2002، وعمليات اقتحام المنازل والمنشآت المدنية بذريعة مطاردة المقاومين، وتدمير المنازل والمدارس ورياض الأطفال. كذلك، نفّذ الاحتلال عملية السور الواقي التي طالت الضفة الغربية المحتلة بهدف وقف عمليات المقاومة الفلسطينية التي يسميها الاحتلال "إرهابًا".

وإلى جانب ذلك، حاول الاحتلال إضعاف الانتفاضة وتشتيتها عبر اغتيال أبرز قادة المقاومة الفلسطينية ضمن محاولاته لجم انتفاضة الأقصى لإبقاء الشارع من دون قيادة، ولإضعاف الفصائل وتشتيتها، فاغتال الشيخ أحمد ياسين (آذار/مارس 2004)، مؤسس حركة حماس، وعبد العزيز الرنتيسي (نيسان/أبريل 2004) من حركة حماس، وأبو علي مصطفى (آب/أغسطس 2001) أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورائد الكرمي، مسؤول كتائب شهداء الأقصى.

ونفّذ الاحتلال جملة من الاعتقالات على مستوى القادة، فاعتقل أحمد سعدات، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد اتّهامه بالمسؤولية عن اغتيال وزير السياحة في حكومة الاحتلال رحبعام زئيفي، ومروان البرغوثي (نيسان/أبريل 2002) من أبرز قادة فتح، وعددًا آخر من القادة الفلسطينيين.

وعلى الرّغم من الخسائر البشرية والاقتصادية التي وقعت على الجانب الفلسطيني إلا أنّ ذلك لا يقلّل من أهمية الانتفاضة في مسار النضال الفلسطيني، ولا يلغي أهميتها كمحطة للمقاومة، فمقاومة الاحتلال دونها أثمان لا يتحقّق التّحرير من دونها. وإذا نظرنا إلى الانتفاضة فقد كان واضحًا عدم التكافؤ في التجهيزات والسلاح والعدّة والعدد، ومع ذلك فقد سجّلت الانتفاضة نقاطًا مشرقة في مسار تطور آليات المقاومة، من حيث الاستعداد والعزيمة، والالتحام مع العدوّ، وألحقت الخسائر بالاحتلال، جيشًا ومستوطنين، وكسرت صورة "الجيش الذي لا يقهر" بهزيمة جنوده على يد الفلسطينيين في الحواري والمخيمات.

ومن أبرز التداعيات على المستوى الإسرائيلي، سقوط 1100 قتيل، من بينهم 300 جندي، وخسائر في قطاع السياحة، وخسائر اقتصادية وصلت عام 2001 إلى 6 مليار دولار، و12.7 مليار دولار عام 2002.

كذلك، فقد أثرت الانتفاضة في وصول العمال الفلسطينيين إلى عملهم في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي المستوطنات، ما أعاق الإنتاج الإسرائيلي، لا سيما في قطاعي البناء والزراعة، وتقلّص حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة والقطاع، فيما فقدة دولة الاحتلال البيئة المناسبة للاستثمار بسبب انعدام الاستقرار الأمني، واضطرت إلى زيادة الإنفاق العسكري في الموازنة.

ويبقى الجدار العازل، الذي شيّده الاحتلال تحت عنوان حفظ أمنه، من أهم التداعيات التي ترتبت على انتفاضة الأقصى، وقد بدأ الاحتلال بناءه في الضفة الغربية وشرق القدس عام 2002 بذريعة محاربة "الإرهاب"، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 وتنفيذ عمليات فدائية في "العمق الإسرائيلي". وعلى الرّغم من الأثر السلبي للجدار في الجانب الفلسطيني إلا أنّ ذلك الأثر ينبغي ألا يمنع من رؤية دلالات بناء الجدار بالنسبة إلى العقيدة الصهيونية، فدولة الاحتلال التي كانت تتكلّم عن امتداد لها بين البحر والنهر حدّدت مجالها بين أسوار الجدار، وسقطت في عقلية الغيتو والانعزال، ما يؤكّد أنّها جسم غريب في المنطقة لا يتآلف مع نسيجها ويدرك أنّه غير مقبول، مثل أيّ احتلال.

براءة درزي

باحثة في الشأن الفلسطيني
زر الذهاب إلى الأعلى