تقارير

عيدُ غزة..  "أكفانٌ" بدل الفساتين و"كعكٌ" على الركام

هناك.. على أرض المذبحة القائمة منذ قرابة العامين، أطفالٌ ولدوا قبل عامين لم يعرفوا كيف يكون العيد، وأمهات يستبدلن فساتين بناتهن بكفنٍ بعد أن تمزقت ملابس العيد المبهجة تحت أنقاض البيت لأن الاحتلال لم يوقف آلة الموت في غزة فقصفهم ببراميل المتفجرات.

هناك.. حلوى عيد التفت بالكفن مع طفل يمسكها بيده، فلم تسعفه الحياة في صبح العيد أن يأكلها، فصواريخ المحتل الغاشم تخطف أعمار الأطفال في أجمل لحظاتهم بعنجهية!

هناك في غزة ..صورٌ ناقصة، وفساتين لم تعتد الدماء الاختلاط بالورد المزركش عليها، طقوسٌ تنقلب في لحظة، فالفساتين إلى أكفان، والأرجوحة إلى قبر، والضحكات إلى دموع قهر، والزيارات العائلية إلى تشييع جثامين.. ففي غزة، طقوس الموت فقط هي الكاملة!

إسلام مقداد التي اعتادت على تجهيز طقوس العيد منذ منتصف رمضان، يوم أمس، ارتكب المحتل مجزرة بحق عائلتها، فرحل منهم أكثر من ستة أفراد، ووضعت قدمها المبتورة في صندوق كُتب عليه: "قدم إسلام مقداد"!

أما أسماء نعيم اعتادت على صورة العيد التي اشتهرت بها عائلتها، أبكتها صورتهم الناقصة صبح العيد، بعد أن رحل ثمانية أفراد منها، ليبقى إطارها موجعًا بعد أن غاب من الصورة أخواتها وأطفالهن وابنتها ليا صاحبة أجمل الإطلالات في العيد!

بينما بكى فادي داوود من الخطوة الأولى لزيارات العيد، وغص في قلبه فراغ يديه من يدين صغيراته الأربع اللاتي كن عزوته وسنده ورفيقاته، وبكى أيضًا زوجته التي كانت بهجة العيد وضحكته!! فيما حكم الاحتلال الصهيوني عليه أن يبقى وحيدًا دونهن!

وقبالة جسد صغير، ودماء تملأ ثياب العيد، بكى والد الطفلة سما التي قتلت في قصف صهيوني، وهي تحاول اقتناص الفرح بالعيد، وفي يدها اسوارة مبهجة، أصرت على ارتدائها لتشعرها بفرحة العيد، قبل أن ينهي المحتل العنجهي حياتها بصاروخ وكفن!

وإلى شاطئ البحر، ذهب الطفل صلاح الغلاييني ذو العشرة أعوام، يحمل مجدافين ثقيلين، ويقف أمام أمواجه العاتية يجهز شباكه للصيد.. ليبحر في عباب البحر ويعود بلقمة تسد رمق جوع أمه وإخوته، فلم يشفع له صبح العيد أن يعيش طفولته على الأراجيح وفي أروقة المتنزهات، لأنه أصبح رب الأسرة بعد تغييب الاحتلال لأبيه خلف غياهب السجون!

كما أبكت تكبيرات العيد والدة الشهيد الصحفي حسام شبات، عيد موجع وثقيل مر عليها بعد أسبوع واحد فقط من ارتقاء ابنها، والذي كان شريكها في كل طقوسه، لا سيما في شراء الملابس الجديدة وتجهيز كعك العيد، لكنه اليوم يرحل عنها مخلفًا ذكريات تخطف منها فرحة قلبها.

ورغم كل طقوس الحزن التي سيطرت على أهالي قطاع غزة، إلا أن بعضهم حاول استراق الفرح من فم أيام الحرب العصيبة، فعلى ركام منزلها وفي غرفة صغيرة بنتها أمل حبيب بعد تدمير منزلها في حي الشجاعية شرق غزة، جلست هي وأطفالها تصنع كعك العيد، وتستذكر الليالي الجميلة مع الأحبة الراحلين والذين فرقهم النزوح.

وعلى أنقاض المساجد المدمرة، وقف أهل غزة يؤدون صلاة العيد ويكبرون ويدعون الله أن يكتب الله لهم عيدًا مبهجًا العام القادم، وعلى بعد أمتار وللعيد الثالث يقف الصحفي هاني أبو رزق على بعد أمتار من تجمع المصلين، يحمل لوحة كبيرة مكتوب عليها: «جاء العيد، من فقد أحدًا من أحبابه فليأخذ وردة»!

ياسمين عنبر

كاتبة قصص إنسانية، من عروس فلسطين "حيفا" ومهجرة أنا وأجدادي إلى مدينة الحب والحرب "غزة"
زر الذهاب إلى الأعلى