ينقضي عام 2024 وقد ألقى بظلال ثقيلة من العدوان على المسجد الاقصى، بالتوازي مع العدوان الهمجي على قطاع غزة المستمر منذ 2023/10/7. فقد استمر الاحتلال في الحصار المشدد الذي فرضه على الأقصى والوافدين إليه منذ السابع من أكتوبر فيما استمرت جهود "جماعات الهيكل" لترسيخ الوجود اليهودي في المسجد، مستفيدة من دعم ورعاية رسمية لمخططاتها وتطلعاتها وجاهدة لتحقيق أكبر قدر من المكتسبات وفرض وقائع جديدة في المسجد فيما العدوان على غزة لا يستثني حجرًا أو بشرًا.
اقتحام الأقصى وأداء طقوس توراتية
اقتحم الأقصى 59,278 مستوطنًا في عام 2024، من بينهم أكثر من 21,245 مستوطنًا في الأعياد العبرية (وفق توثيق العاصمة الإخبارية).
وفي نهج باتت "جماعات الهيكل" تعتمده منذ أعوام، استغل المستوطنون الأعياد اليهودية لتصعيد العدوان على الأقصى، وتكريس التعامل معه وكأنه "الهيكل". وشهد شهر تشرين الأول ارتفاعًا كبيرًا في عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى إذ بلغ 10,131 مقتحمًا، من بينهم قرابة 6800 في موسم الأعياد العبرية الطويل.
وأدى المقتحمون طقوسًا وصلوات توراتية، لا سيما في الأعياد العبرية، من بينها صلاة بركة الكهنة، وطقس السجود الملحمي، وإدخال القرابين النباتية إلى المسجد، ونفخ البوق، والرقص والغناء في ساحاته، إضافة إلى رفع العلم الإسرائيلي في ساحاته.
وشهد الأقصى هذا العام عدوانًا على أبوابه، حيث اقتحم مستوطنان المسجد من باب القطانين، ووصلا ركضًا حتى مدخل المصلى المرواني، حيث أديا طقس الانبطاح، ونفخا في البوق، قبل أن يتدخل عناصر شرطة الاحتـلال ويؤمنوا خروجهما من الأقصى. كما أنهى مستوطن برفقة طفليه، اقتحامه للمسجد الأقصى من باب الحديد. وتطالب "جماعات الهيكل" بأن تكون كل أبواب الأقصى متاحة لها فيما المعمول به حاليًا هو بدء الاقتحامات من باب المغاربة وانتهاؤها من باب السلسلة.
التبني الرسمي للعدوان على الأقصى
في خطوة عكست التزام إيتمار بن غفير بمطالب "جماعات الهيكل"، أدرجت وزارة الأمن القومي في خطة عملها السنوية تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى. ومن بين الأهداف التي حددت في خطة العمل لعام 2024، تعزيز الحكم الإسرائيلي في المسجد الأقصى، وتوفير الحقوق الأساسية ومنع التمييز والعنصرية في المسجد، وحددت الخطة للوزارة مهمة توسيع العنصر التكنولوجي المساعد للشرطة وتعزيز تشكيلاتها في المسجد الأقصى.
وعلى مستوى الاقتحامات السياسية، شارك أعضاء في "الكنيست" ووزراء في حكومة الاحتلال، وكان في مقدمتهم الوزير بن غفير الأقصى الذي اقتحم الأقصى 5 مرات في عام 2024، كما قال في مؤتمر في "الكنيست" إنه يمثل المستوى السياسي الإسرائيلي وإنّه يسمح لليهود بأداء الصلاة في المسجد الأقصى، وإنه لن يسمح بالتمييز ضد اليهود المصلين في الأقصى.
وفي مقابل تصريحات بن غفير واقتحاماته الأقصى، كان رئيس حكومة الاحتلال يزعم التزام حكومته بالوضع القائم. وفي ذلك تبادل للأدوار بين نتنياهو و"الصهيونية الدينية"، إذ إنّ الوضع القائم الذي يشير إليه نتنياهو بات مفهومًا يشمل الوضع في الأقصى بتغيراته التي أضافها الاحتلال حتى لحظة ذلك الإعلان، وليس المعنى المقصود في القانون الدولي الذي يفيد بالحفاظ على المقدسات في القدس على ما كانت عليه قبل 1967/6/5.
وكشفت وزارة التراث في حكومة الاحتلال عن عزمها إطلاق جولات إرشادية في المسجد الأقصى، ستسمح لأول مرة لآلاف اليهود ومئات الآلاف من السياح الذين يقتحمون الأقصى كل عام، بالاطلاع "على التراث اليهودي"، على أن تخصيص مليوني شيكل (قرابة 545 ألف دولار) للمشروع من ميزانية مكتب وزير التراث عميحاي إلياهو.
كذلك، عقدت لجنة التربية والتعليم في "الكنيست" جلسة خاصة للمطالبة بإدراج موضوع "جبل الهيكل" في المناهج التعليمية. وكانت لجنة التربية والتعليم أوصت وزارة التربية والتعليم، في 2021، بإدراج "جبل الهيكل" ضمن برنامج الرحلات للمدارس الإسـرائيلية، ودمج مواد تعليمية في البرنامج التعليمي لدروس التاريخ.
مؤتمر لتسريع بناء "الهيكل" وآخر لطقوس البقرة الحمراء
عقدت منظمة "عائدون إلى جبل الهيكل – بيدينو" في ديسمبر مؤتمرها السنوي لتسريع بناء "الهيكل" تحت عنوان "طريق النصر بأيدينا.. ما حققناه وإلى أين نحن ذاهبون حتى النصر"، علمًا أنّ "جماعات الهيكل" عملت في الأشهر المنصرمة على الربط بين العدوان على غزة من جهة وبين اقتحامات الأقصى وبناء "الهيكل" من جهة أخرى.
وأقام "معهد الهيكل" مؤتمرًا لمناقشة التحضيرات الدينية لإقامة طقوس ذبح البقرة الحمراء التي تهدف للتطهر من "نجاسة الموتى" لتتجاوز من خلاله المنع المفروض من الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال على اقتحام الأقصى بسبب عدم توفر شرط الطهارة. وتعول "جماعات الهيكل" على أن إقامة طقس التطهر بالبقرة الحمراء يمكن أن تفتح المجال لمئات آلاف اليهود المتدينين لاقتحام الأقصى والذين يمتنعون عن ذلك اليوم التزامًا بالمنع الحاخامي الرسمي؛ ما يعني مضاعفة أعداد المقتحمين والمنخرطين في فرض الطقوس فيه.
كما نشر "معهد الهيكل" إعلانًا طلب فيه كهنةً متطوعين لتدريبهم على طقوس التطهر بالبقرة الحمراء، ووضع شروطًا خاصة للمتطوعين، على أن يتم التدريب في قطعة أرضٍ سبق أن استولت عليها هذه الجماعات لهذا الغرض على جبل الزيتون مقابل الأقصى.
محاصرة الأقصى بالكاميرات والاعتداء على الأوقاف
عملت شرطة الاحتلال على إحكام قبضتها الأمنية على الأقصى ومحيطه، وقد ضاعفت من عدد كاميرات المراقبة في محيط المسجد، أبرزها ثلاث كاميرات عند باب الأسباط تكشف الجزء الشمالي من المسجد، وكاميرا جديدة عند باب المطهرة، تكشف بوضوح وجه الداخل والخارج.
كذلك، نصبت شرطة الاحتلال برج تجسس فوق المدرسة التنكزية مطلٍ على المسجد الأقصى مباشرة من سوره الغربي، والبرج يحتوي كاميرات مراقبة وأجهزة رصد وتنصت تقارب في ارتفاعها مئذنة باب السلسلة.
وعمدت قوات الاحتلال إلى تركيب حواجز وأقفاص حديدية جديدة عند ثلاثة من أبواب الأقصى، هي الغوانمة والحديد وفيصل.
واستمرت سلطات الاحتلال في استهداف الأوقاف الإسلامية في القدس، فاعتقلت بعض حراس الأقصى وهم على رأس عملهم، واستدعت بعضهم إلى التحقيق قبيل بدء الأعياد العبرية.
كما كررت "جماعات الهيكل" دعواتها لجمهور المستوطنين للمشاركة في مسيرات تطالب بطرد الأوقاف من الأقصى وإسناد أمور الأقصى إلى هيئة تعينها سلطات الاحتلال.