لليلة الجمعة الثانية من رمضان على التوالي، اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى مساء أمس وأجبرت المصلين على الخروج من المسجد لمنع الاعتكاف فيه.
وكانت قوات الاحتلال فعلت الأمر ذاته في ليلة الجمعة الأولى من شهر رمضان، وذلك للمرّة الأولى منذ عام 2014، إذ حاولت حينها منع الاعتكاف نهائيًا إبان حرب غزة، فانتهى الأمر إلى مواجهات أحرق فيها المرابطون مركز شرطة الاحتلال المغتصب في صحن الصخرة.
قيود قديمة متجددة
منعت قوات الاحتلال الاعتكاف في الأقصى منذ بداية شهر رمضان، علاوة على القيود الجغرافية والعمرية التي تفرضها على رواد المسجد، ومن ذلك اشتراط حصول أهالي الضفة الغربية على تصريح للدخول إلى القدس، ومع ذلك منع أعداد منهم من الدخول رغم حيازتهم التصريح.
ليست القيود التي يفرضها الاحتلال على الأقصى بالجديدة، فبحسب تقرير حال القدس السنوي الصادر عن مؤسسة القدس الدولية، فقد شهد عام 2024 استمرارًا للقيود على الاعتكاف في الأقصى، وفرضت قوات الاحتلال قيودًا مشددة لتقليل أعداد المعتكفين في المسجد، فقد منعت أهالي الضفة الغربية من دخول القدس والأقصى بشكلٍ كامل، ولم تسمح إلا لفئة قليلة جدًا من الدخول إلى المدينة المحتلة، واستهدفت الشبان من الضفة الغربية الذين يعتكفون في الأقصى سنويًا، إضافةً إلى القيود العمرية المختلفة.
وشهد عددٌ من ليالي رمضان اقتحامات نفذتها قوات الاحتلال، واعتدت خلالها على المعتكفين.
ووفق التقرير، دأبت شرطة الاحتلال وعناصر قواته الخاصة على اقتحام الأقصى طوال شهر رمضان، وخاصة في العشر الأواخر، وفتشوا المعتكفين، وحققوا معهم في الساحات وداخل الخيام عشوائيًّا، وصوروهم ودققوا في بطاقاتهم الشخصية.
وفي 2024/4/5، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 22 فلسطينيًا من داخل المسجد ومن محيطه، بعد انتهاء المصلين من أداء صلاة القيام. وفي 2024/4/9، بالتزامن مع الليلة الأخيرة من رمضان، اقتحمت قوات الاحتلال مصلى باب الرحمة، ومنعت المعتكفين من القيام داخله في ليلة الاعتكاف الأخيرة، وأجبرتهم على الخروج من المصلى بالقوة.
كما شهدت الأيام الأخيرة من شهر رمضان جملة من الاعتداءات بحق المعتكفين، من بينها اقتحام قوات الاحتلال الأقصى على مدار الساعة، وفي منتصف الليل، وفي ساعات الفجر الأولى، وإرهاب المعتكفين ومراقبتهم من كثب، وتسليط طائرة مسيرة "درون" فوق خيام المعتكفين شرق المصلى القبلي لمراقبتهم، واستخدام كاميرا مراقبة متحركة بتغطية 360 درجة.
ومن الاعتداءات الأخرة الاقتحام المباغت لخيام المعتكفين في ساعات متأخرة من الليل، ومنع إدخال مركبة وجبات السحور في أيامٍ متفرقة، ومنع بعض المعتكفين من إدخال خيامهم.
ما وراء منع الاعتكاف في الأقصى؟
تحاول سلطات الاحتلال إفراغ الأقصى من المسلمين، وتقليص وجودهم فيه إلى أدنى حد ممكن، لذلك تمنع أي محاولاتٍ لعودة الاعتكاف إلى المسجد، وتتعامل بالعنف مع المعتكفين.
ووفق تقرير حال القدس السنوي، فإنّ سلوك الاحتلال في السنوات الماضية تجاه الاعتكاف يشير إلى سببين رئيسين وراء محاولات الاحتلال منع الاعتكاف في الأقصى، الأول هو ترسيخ الاحتلال على أنّه المتحكم بشؤون الأقصى، وقدرته على إدارة المسجد من خلال الأمر الواقع، فأي حضورٍ إسلامي في ليالي رمضان للاعتكاف يقوّض محاولات الاحتلال ضرب الحصرية الإسلامية، إضافةً إلى تكريس أنه صاحب القرار النهائي، وهو الذي يُحدد من له الحق بالدخول إلى المسجد والبقاء فيه، وكيف يبقى داخل المسجد وكم سيُتاح له من أجل ذلك.
أما السبب الثاني وراء منع الاعتكاف فهو خوف الاحتلال من قدرته الاعتكاف على تجديد حالة الرباط، وبقاء المصلين المسلمين لأوقات طويلة داخل الأقصى، وتشكيل نواة صلبة تواجه الاقتحامات، خاصة إن تزامنت مع واحدٍ من الأعياد العبرية، وهو ما يعني ضربةً لسياسيات الاحتلال الرامية إلى تقليل الوجود الإسلامي في المسجد.