يشهد المسجد الأقصى تصاعدًا غير مسبوق في تدخل أذرع الاحتلال الأمنية، التي باتت تلعب دورًا محوريًا في فرض السيطرة الإسرائيلية عليه، ودعم اقتحامات المستوطنين، وتضييق الخناق على المصلين والمرابطين.
وقد تحولت هذه الأذرع إلى أدوات فعالة في مشروع تهويد المسجد الأقصى وتغيير هويته الدينية والتاريخية.
التحولات في دور الأجهزة الأمنية داخل الأقصى
شهدت السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا في مهام الشرطة الإسرائيلية داخل الأقصى، حيث باتت شريكًا مباشرًا في حماية المستوطنين أثناء اقتحامهم للمسجد، بل والمشاركة أحيانًا في أداء الطقوس التوراتية. وتمثل هذه التحولات تصعيدًا خطيرًا في السياسات الإسرائيلية تجاه الأقصى.
وفي هذا الإطار، أنشأ الاحتلال وحدات أمنية خاصة ونقاط تمركز دائمة في الأقصى، حيث يشير الباحث في الشأن المقدسي علي إبراهيم، في حديث لموقع القدس 360، إلى أنّ سلطات الاحتلال أنشأت بعد هبّة باب الأسباط عام 2017 "وحدة جبل الهيكل"، لتحل محل "وحدة الأماكن المقدسة"، وبلغ قوامها عند التأسيس 200 عنصر، شملوا قوات التدخل السريع والاستخبارات. وتتمركز هذه الوحدات في عدة مواقع داخل الأقصى وفي محيطه، أبرزها المدرسة التنكزية (على السور الغربي للمسجد)، والخلوات الجنبلاطية وأرسلان باشا شمال صحن قبة الصخرة، وأمام أبواب المسجد وفي أزقته الضيقة.
وتمارس هذه الوحدات مهمات تشمل الاعتقال، والقمع الجسدي، واستخدام القنابل والرصاص لتفريق المصلين.
أما عن المهام والأدوار الأمنية التي باتت قوات الاحتلال تضطلع بها فيشير إبراهيم إلى عدد منها، أبرزها توفير الحماية الكاملة للمستوطنين خلال اقتحام الأقصى وأداء الطقوس التوراتية، وفرض قيود مشددة على وصول المصلين إلى الأقصى، خاصة في الأعياد اليهودية، والتحكم الكامل في أبواب المسجد، وخاصة منذ بداية شهر رمضان 2024، عبر تركيب أقفاص حديدية ومنع الاعتكاف.
ويضاف إلى ذلك، وفق إبراهيم، تأمين مسارات اقتحام المستوطنين ومنع وجود المرابطين في هذه المسارات، واستهداف مصلى باب الرحمة بشكل متكرر، واعتقال المرابطين فيه، وتصاعد التنسيق العلني مع "منظمات الهيكل"، وظهور عناصر أمنية بزيّ ديني يهودي.
تصاعد الرقابة الأمنية
عزّز الاحتلال الوجود المباشر للعناصر الأمنية في الأقصى بشبكة واسعة من كاميرات المراقبة والمجسات الصوتية وغيرها.
ويبين الباحث إبراهيم أنّ الاحتلال ينشر عشرات الكاميرات والمجسات في الأزقة المحيطة بالأقصى، وقد أضاف إليها شبكة كاميرات مراقبة واسعة في محيط المسجد وفي أحياء القدس، وخاصة سلوان، ومن ذلك أعمال التركيب والصيانة التي نفذها الاحتلال في مجمع الكاميرات المقابل لمسجد "محمد الفاتح" في حي رأس العمود في تموز 2024.
كما عمد إلى تركيب برج اتصالات شاهق مزود بكاميرات ومجسات على الرواق الغربي، معزز بكاميرات المراقبة، ومزوَّد بمجسات فوق الرواق الغربي للأقصى. وقد استبقت سلطات الاحتلال ذلك بأشغال نفذتها فوق المدرسة التنكزية التي يسيطر فيها الاحتلال. وتتيح هذه الشبكة من الاتصالات والمجسات والكاميرات فائقة الدقة مراقبة حركة المصلين وتتبُّع حركة الوافدين إلى الأقصى بدقة عالية وكشف جميع ساحات المسجد الأقصى.
ترسيخ الحضور الأمني خارج أوقات الاقتحام
لا يقتصر تحكم الاحتلال بالأقصى على أيام الاقتحام التي فرضتها شرطة الاحتلال من الأحد إلى الخميس، فقد باتت قوات الاحتلال تفرض تدخلها ووجودها في المسجد في أيام الجمعة والمناسبات الإسلامية.
ويندرج في هذا السياق اقتحام المسجد بعناصر أمنية في أوقات الصلاة، واستخدام عربات كهربائية للتجوال بين صفوف المصلين، وتمركز أمني دائم حول أماكن حساسة مثل سبيل الكأس، وبوائك قبة الصخرة.
مسؤولية جماعية لمواجهة سياسات الاحتلال
تُظهر المؤشرات كافة أن أذرع الاحتلال الأمنية باتت أصبحت أداة رئيسة في مشروع تهويد المسجد الأقصى وفرض السيادة الإسرائيلية عليه.
ويشير إبراهيم إلى أن أجهزة الاحتلال الأمنية تعمل على تقويض الوجود الإسلامي في الأقصى عبر حماية الاقتحامات، وتسهيل أداء الطقوس التوراتية، وملاحقة المصلين والمرابطين، وتعزيز المراقبة والوجود العسكري، علاوة على مساهمتها في فرض وقائع جديدة على الأرض تمهّد لمشروع التقسيم الزماني والمكاني.
ويختم بالقول إنّ مواجهة هذه السياسات مسؤولية جماعية، تتطلب وعيًا مستمرًا، ورصدًا دقيقًا، ودعمًا سياسيًا وإعلاميًا وميدانيًا فاعلً، ووعيًا شعبيًا مستمرًا بواقع التهويد، ورصدًا دقيقًا للانتهاكات وتوثيقها، وتحركًا قانونيًا ودوليًا لمساءلة الاحتلال على انتهاكاته لحرمة المقدسات.