عيد الأضحى بغزة.. مآذنُ حزينة ودموعٌ تزاحم التكبيرات!
دوارٌ كبيرٌ يتوافد إليه المبتهجون من كل حدب وصوب لأداء صلاة العيد في الخلاء أُطلق عليه اسم دوار "أبو يوسف القوقا"، أطفالٌ انتظروا صلاة العيد منذ شهور طويلة يلبسون ثيابًا جديدة فرِحين، ومنذ ساعات الليل الأولى، يبدأ فتية الحي بتجهيز الحلوى والألعاب كي يرسموا البهجة في قلوب الأطفال!
كان صباحًا مختلفًا بين أيام العام كله.. تقول حنين محمد الناجية الوحيدة من عائلتها لمنصة القدس 360 وتكمل بوجع كبير: "حين اقترب العيد فتكت بقلبي كل الذكريات التي كنا نبتهج بها بدءًا من صلاة العيد برفقة زوجي وأبنائي وتكبيرات العيد بالمايكروفونات الخارجية، وليس انتهاء بكل التجهيزات التفصيلية من ملابس جديدة وزيارات الأرحام وغيرها، فدوار القوقا كان يجمع كل الأحبة والأصدقاء والجيران نتبادل السلام وأطراف الحديث ثم نمضي لذبح الأضاحي".
على شباك منزلها تجلس حنين اليوم، منزلٌ فارغ فقد مزقت الصواريخ أجساد أطفالها ورحلوا شهداء برفقة زوجها الذي مات خنقًا تحت ركام عمارةٍ من خمسة طوابق، بينما امتلأ دوار "أبو يوسف القوقا" اليوم بالنازحين بعد أن نزحوا من بيوتهم وهُجّروا قسرًا تحت النار، فيما تنظر إلى تكية طعام وأمامها أناس يزاحمون لكي يملؤوا أطباقهم، وأطفالٌ يحملون قدورًا فارغة قد يعودون بها كما هي لانتهاء الطعام!
طفولة مبددة
في زاوية أخرى من زوايا الوجع الذي يسكن غزة.. تنام سجى جنيد طريحة الفراش على سرير المستشفى بعد أن احترق وجهها وجسدها حروقًا بالغة، لا تنتظر من فرحة أطفال العالم شيئًا، بل أن تفتح أقفال المعابرة التي توصد أمام جراح مليوني غزي!
صوت الصواريخ المجنحة كان يرعب "سجى" فتهرب إلى أمها لتسكن خوفها.. لكن هذه المرة لم تهرب فهي سعيدة بأجواء العيد التي اقتربت.. ليفاجئهم صوت انفجار قوي هز أركان البيت وأضرمت النيران فيها..
حُرق جسد سجى ذات الأربعة أعوام واختفت ملامح براءتها وطفولتها.. والتهمت نار الصواريخ وجهها حتى ظن والدها أنها فارقت الحياة، لتبدأ سجى رحلة علاجها في مشافي غزة التي لا يتوفر بها أي إمكانيات طبية!
يتجهز الأطفال لملابس العيد والألعاب المبهجة، بينما تصرخ "سجى" من نقص العلاج والجوع الذي يقرص معدتها، منتظرة بقلبها الطفولي ودموعها التي لا تنتهي انتهاء الإبادة وعلاج وجهها المشوه!
أحلام ممزقة
عشر سنوات كان حلم الطفل حمزة الحسن أن يكون رائد فضاء، إلى أن جاءت الحرب فتصيبه الصدمة أن الصواريخ تفتت أجساد الأطفال وتحيلهم إلى أشلاء ممزقة، فقد كان يحدق في السماء كل ليلة ويسأل أمه: "هل هذه هي نفسها الصواريخ التي يصعد بها رواد الفضاء إلى السماء"؟
جاءت الحرب لتعطيه إجابة أمه التي خبأتها عليه.. فلم يكن يتخيل حمزة أن الصاروخ الذي يحلم أن ينقله إلى السماء قد فتته وحوله إلى قطع صغيرة جُمعت في كيس لدفنه!
رحل حمزة وهو يحلم بصبح العيد، فقد كان يعتقد أن الحروب تنتهي بالأعياد، كما أنها لا تأتي إلا بالبهجة والسلام.. لكنه جاء هذه المرة يحمل صرخات أمه التي انكبت على جثمانه تخاطبه: "هذا هو الصاروخ الذي كنت تطمح بركوبه للفضاء.. قد فتتك يا حمزة".. بينما تخاطب العالم: "ابني تمزق أشلاء وفتتته صواريخ إسرائيل وأطفال العالم كلهم يشترون ألعاب العيد..فإلى متى!!!!"
لم تكن صرخة أم الشهيد حمزة صرخة أم مكلومة فقط. بل هي صرخة شعب كامل حرم للعام الثاني على التوالي من طقوس عيد الأضحى وفرحته، فقد انشغلت المدن بتزيين الشوارع والبيوت، وتعلق غزة ثوب الحداد منذ قرابة العامين.. لا طقوس سوى النزوح والقصف والجوع والرعب والتشريد، كما حُرم الحجاج من السفر لأداء فريضة الحج، ومُزّق الأطفال إربًا إربًا.
فمن قلب الخراب يكبر أهل غزة تكبيرات النزوح الموجعة، ويستبدلونها بنداءات الاستغاثة ومناجاة الله.. تلطخت أبواب الخيام بدماء الأطفال، بدل أن تشهد البيوت فرحة الأضاحي ودمائها.. بينما دُمرت المآذن وأضحت حزينة وزاحمت دموع الفقد تكبيرات الحناجر النازحة!