
القدس 360 l من سلوان وبيت حنينا، إلى وادي الجوز وحزما والعيسوية والولجة وأم طوبا تتنقل آلة الهدم الإسرائيلية لهدم منازل المقدسيين ومنشآتهم، وتشريدهم وحرمانهم من مصدر رزقهم.
مشهد الهدم الذي يطال منشآت المقدسيين يتكرر بشكل يومي تقريبًا، وعلى الرغم من أنّ سلطات الاحتلال ملزمة بموجب القانون الدولي أن توفر الحقوق الأساسية للمقدسيين، ومن بينها الحق في المسكن، فهي تحرص على أن تشرّدهم وتهجّرهم من بيوتهم، ومن أرضهم حتى تتمكّن من طردهم من القدس وإحكام السيطرة عليها. وقد ازدادت شراسة هذه السياسة مع تمسّك سلطات الاحتلال بسياسة تجعل "البناء المرخّص" أمرًا شبه مستحيل ثمّ مسارعتها إلى تطبيق قانونها الذي يقضي بهدم المنازل التي امتنعت عن ترخيص بنائها.
ويعدّ هدم المنازل جزءًا ثابتًا من سياسة يعتمدها الاحتلال في القدس لخدمة مخطّطات التهويد الديمغرافي في الشطر الشرقي من المدينة المحتلة، إذ تسعى سلطات الاحتلال بالدرجة الأولى إلى منع المقدسيين من البناء في أرضهم، عبر التقشّف في إعطائهم رخص البناء التي يصعب الحصول عليها في ظلّ ما يفرضه الاحتلال من شروط للحصول عليها، ولا سيّما عبر الامتناع عن إقرار مخطّطات هيكلية للأحياء الفلسطينية التي لا يمكن الحصول على رخصة بناء من دونها.
عمليات الهدم ارتفعت 43% مقارنة بعام 2023
أشار مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري إلى أن الأراضي الفلسطينية شهدت منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة ارتفاعًا خطيرًا في عمليات الهدم في سائر أنحاء الضفة بما فيها شرق القدس، ما يدلّ على توجهات متصاعدة لاستخدام الأداة التخطيطية الاحتلالية في محاصرة الوجود الفلسطيني.
وبيّن أنّ النصف الأول من عام 2024 شهد زيادة في جرائم الهدم بنسبة 43% مقارنة مع عام 2023 و65% مع عام 2022.
وقال العاروري إن معدلات الاستيلاء على الأراضي ونزع ملكيتها لصالح المشروع الاستيطاني ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود في موجة جديدة تؤشر فعلاً إلى رغبة دولة الاحتلال في تمزيق الجغرافيا الفلسطينية وإعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
وأوضح أن ممارسات الاحتلال تمثل خروقًا جسيمة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين، التي تحظر النقل القسري للسكان، وكذلك مصادرة الممتلكات أو تدميرها، وذلك يشمل البنى التحتية والمساكن ومصادر المعيشة، ما يجعل ممارسات الاحتلال تقع في إطار جرائم الحرب التي تدخل في ولاية المحكمة الجنائية الدولية.
أسباب الهدم
ينفّذ الاحتلال سياسة الهدم في القدس تحت ذرائع ومسميات مختلفة، تصب في النهاية في إطار خدمة مخططات الاحتلال لطرد المقدسيين من أرضهم، وتفريغ القدس من أهلها.
ووفق الباحث في الشأن المقدسي علي إبراهيم، يمكن تقسيم أسباب هدم منازل الفلسطينيين إلى أربع فئات أساسية، تلخص وفق الشكل الآتي:
– الهدم العسكري: حيث يقوم جيش الاحتلال بهدم منازل ومنشآت فلسطينية لدواعٍ عسكرية، كحماية جنوده والمستوطنات، ويُبرر الاحتلال هذا الهدم العسكري في إطار "أهدافٍ عسكرية قانونية".
– الهدم العقابي: هو إجراء عقابي تستهدف به قوات الاحتلال عوائل منفذي العمليات الفردية، في إطار فرض عقابٍ جماعي على هذه الأسر، وعادة ما تطال أضرار الهدم الشقق والمنازل المحيطة بالمنزل المستهدف، والسيارات المركونة في المنطقة، لتوسعة الإجراء العقابي قدر الإمكان.
– الهدم الإداري: هو الإجراء الأكثر انتشارًا، إذ يتم هدم جلّ المنازل الفلسطينية في القدس المحتلة، بذريعة البناء من دون ترخيص، وتكشف تفاصيل قرارات الهدم الإداري، أنه واحدٌ من أسهل القرارات اتخاذًا، فيمكن أن يصدر من قبل مهندسٍ في بلدية الاحتلال، ليتم تحويل البلاغ إلى رئيس البلدية ويتم التوقيع عليه، لتباشر الجهات المختصة الهدم، أو يجبر صاحب البيت على هدم بيته بنفسه.
– هدم غير معروف الأسباب: تقوم سلطات الاحتلال بهدم منازل الفلسطينيين من دون إبداء أي أسبابٍ واضحة، ولكنها بكل تأكيد تنضوي ضمن استخدام الهدم كواحدٍ من مرتكزات سياسة الاحتلال العقابية المفروضة على الفلسطينيين في القدس المحتلة.
خسائر بالمليارات
يصل عدد المباني المعرضة للهدم في شرق القدس بسبب "البناء من دون ترخيص" إلى نحو 20 ألف مبنى؛ أي أن جزءًا كبيرًا من المباني في المدينة المحتلة معرضٌ للهدم في أي وقت، وبحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) هدمت سلطات الاحتلال ما بين 1 يناير 2009 – 10 يونيو 2024م نحو 1906 منازل ومنشآت في القدس المحتلة، ما أدى إلى تهجير نحو 4000 فلسطيني، وتضرر نحو 45 ألفًا آخرين.
ويشير الباحث علي إبراهيم إلى أنّ التكاليف الاقتصادية لهدم بيوت المقدسيين بلغت قرابة 9 مليارات دولار أمريكي؛ ما يجعل هذه الخسائر المالية الباهظة تُشكل عبئًا آخر يُضاف إلى الخسائر النفسية والجسدية، حيث يتم في الكثير من الحالات هدم المنزل من دون السماح للأسرة بإخراج مقتنياتها منه، إضافة إلى تعرض أفراد الأسرة للاعتداء الجسدي والاعتقال وغيره.