Blog

خلف بوابة رفح.. أطفالٌ على عتبات الموت

"هل تمنعنا الطائرات من اللعب أمام الخيمة يا أمي؟"

كان سؤال الطفل محمد أبو لولولي، ابن الثمانية أعوام لأمه، سؤال مصحوب بتذمر بريء وهو يتباكى ويركض قرب باب الخيمة يريد أن يغافل أمه ويخرج للعب، فقد كانت تمنعه خوفًا عليه من الطائرات الحربية التي يعلو ويقترب صوتها منهم في ذاك اليوم!

نجح "محمد" أخيرًا في إقناع أمه أن يخرج للعب، وما أن أطل بجسده على باب الخيمة مبتهجًا بضحكاته، حتى كتمت هذه الضحكات شظية من طائرة "الكواد كابتر" التي تحوم فوق خيمتهم... شظية أفقدت محمد حياة الطفولة بأكملها حين سلبته القدرة على الحركة وتحول جسده الصغير إلى سجين الفراش!

لم يكن ذنب "محمد" إلا أنه أراد استراق لحظة لعب وسط المحرقة التي يعيشها أطفال غزة منذ عامين..حيث اخترقت الشظية نخاعه الشوكي عند الفقرتين السادسة والسابعة، وألقت بجسده النحيل في عتمة الشلل الرباعي.. وصار جسده الصغير عرضة لكل الأعراض الجانبية الكارثية في مكان انعدمت فيه الإمكانيات الصحية.

يأتي الليل وتبدأ صرخات الوجع التي يفتك بجسده الصغير، حيث التقرحات التي يزداد عمقها يومًا بعد يوم، والحرارة المرتفعة في الصيف الملتهب، والأنين والبكاء المتواصلين من الوجع اللانهائي.

وأمام جسد محمد المتعب يقف الأطباء عاجزين عن فعل أي شيء! فالعمليات التي يحتاجها معقدة وخطرة إذا أُجريت داخل غزة بالإمكانيات البسيطة المتوفرة، وقد تنتهي بشلل كامل ودائم، وفي كل يوم يخبر الأطباء عائلته أن السفر العاجل هو الطريق الوحيد لعلاجه!! وأمام بوابة "رفح" المغلقة في وجه الغزيين حتى الجرحى منهم تضيع فرص علاج "محمد" ويسأل أمه كل يوم: "لا يوجد طريق من السماء إلى مستشفى خارج غزة؟"

لا ينتظر الزمن أن تفتح بوابة الحياة "رفح" أمام جراح الأطفال في غزة، بل تزيد الظلم الواقع عليهم، حيث فقد  كثير منهم الحياة والتهم الوقت كثيرًا من فرص العلاج! ومضى عدد كبير من الجرحى إلى السماء حاملين شكواهم على من ظلمهم وسرق طفولتهم!

وعلى جزء من سرير مشفى شمال قطاع غزة، تجلس "أمال البيوك" ومعها ستة او سبعة جرحى أطفال، لأن الأسرة لم تعد تكفي!

 آمال ابنة السبعة أعوام، انكمش جسدها النحيل حتى وصل عشرة كيلوات فقط.. هل تخيلت يومًا كيف أن طفلة عمرها سبعة أعوام أضحت بهذا الوزن!!؟؟

كهيكل عظمي تبدو "آمال"، ببطن منتفخة، وأنفاس تضيق ليلًا بسبب سوء التغذية الحاد الذي التهم من وزنها أكثر من نصفه، وحساسية القمح التي تسبب لها الخمول والإرهاق والإسهال المزمن في ظل غياب الطعام المخصص لها!

كل صباح يخبر الأطباء أم "آمال" أن حالتها خطيرة، وأنهم يقفون عاجزين محاولين أن  ينقذوها بما تيسر من إمكانيات شحيحة، لكن المحتل الغاشم قصف الأجهزة الطبية، وغابت الأدوية اللازمة لعلاجها بسبب الحصار المفروض على غزة بمرضاها وجرحاها وأطفالها، وتقف الأم أيضًا عاجزة حين يقول لها طبيب: "وحده السفر هو العلاج"!

خلف بوابة رفح التي أسماها الجميع "بوابة الحياة"، تتكدس أحلام الصغار وصرخاتهم كي تُفتح لهم "نافذة نجاة" للعلاج خارج حدود غزة المحاصرة بالنار والبارود، وأمام الأطفال الجرحى يقف الأطباء عاجزين! الآباء لم تتوقف دموعهم ومناشداتهم، الصغار لم يصمت أنينهم، أما الأمهات فيتمنين جميعهن أن معجزة من السماء تنصف أطفالهن المظلومين متسائلات: "إلى متى ستبقى الحدود مغلقة والمشافي عاجزة، وكم من طفل يجب أن يموت حتى تفتح تلك البوابة؟".

ياسمين عنبر

كاتبة قصص إنسانية، من عروس فلسطين "حيفا" ومهجرة أنا وأجدادي إلى مدينة الحب والحرب "غزة"
زر الذهاب إلى الأعلى