استقرت فتوى الحاخامية الرسمية في دولة الاحتلال على أنّ "صعود اليهود إلى جبل الهيكل" غير جائز وفق أحكام التوراة.
ويرتبط التحريم بعدم توافر شرط الطهارة من النجاسة الكبرى الناتجة، وفق المعتقدات اليهودية، عن لمس جسد يهودي ميت، أو الاجتماع معه تحت سقف واحد، ويستلزم زوال النجاسة التطهر برماد "البقرة الحمراء" التي تحمل مواصفات محددة، ترتبط باللون والعمر، يصار إلى ذبحها وحرقها بطريقة معينة ومن ثم ذرّ رمادها على المصابين بالنجاسة.
لكن هذه الفتوى خرقت بفتاوى تجيز وصول اليهود إلى الأقصى بشرط الالتزام بمسار معيّن، حيث يقتحم المستوطنون المسجد من دون الصعود إلى صحن قبة الصخرة التي يعتقد أنها مركز القداسة، وتحث "جماعات الهيكل" أنصارها على اقتحام الأقصى كمقدمة لتأسيس "الهيكل".
ويظهر في هذا السياق دور فاعل للحاخامات المنتمين للتيارات الدينية المتطرفة، الذين يعملون على ترسيخ فكرة "إعادة بناء الهيكل" عبر ربطها بالنبوءات التوراتية، وقيادة اقتحامات مباشرة للمسجد الأقصى.
حاخامات ومنظمات متطرفة: جذور فكرية ومؤسسات داعمة
يقول الباحث في الشأن المقدسي علي إبراهيم إن الحاخامات لعبوا دورًا محوريًا في تأسيس "منظمات الهيكل"، ولم يكن هذا الدور مرتبطًا بالمنظمات الحالية فقط، بل ارتبط بالجذور الفكرية لهذه المنظمات، إذ تعود هذه الجذور إلى جماعة "بريت هاشاشونيم"، التي أسسها الحاخام موشيه تسفي سيغال عام 1937.
ويلفت إبراهيم إلى ارتباط العديد من "منظمات الهيكل" بمنظمة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، التي تأسست بعد احتلال القدس عام 1967، وأسسها الحاخام موشي ليفنجر، وبعد إيقاف المنظمة في عام 1984، بقيت أفكارها ماثلة في مجلس "يشع" الذي كان يضم المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة حينها، وحركة "شبيبة التلال" التي تأسست على إثر انسحاب الاحتلال من قطاع غزة.
ويضيف أنّ عددًا من الأحزاب الإسرائيلية حملت أفكار هذه المنظمة على غرار حزب "البيت اليهودي"، وكانت أولى المؤسسات المتخصصة في تأسيس "معهد الهيكل" الذي أسسه الحاخام يسرائيل أرييل.
كما يشير إلى أنّ معظم مسؤولي "منظمات الهيكل" من حاخامات الإشكناز الأرثوذكس، ضمن ما يُعرف بالتيار الصهيوني الديني، ومن أبرز هؤلاء الحاخام حاييم ريشمان، مدير الإدارة الدولية لـ "معهد الهيكل"، إضافةً إلى الحاخاميْن المتطرفيْن يهودا عتصيون، ويهودا غليك.
السنهدرين الجديد: برلمان ديني يعيد إنتاج خطاب التطرف
في عام 2004، أعاد 71 حاخامًا يهوديًا تأسيس "السنهدرين" كمجلس ديني يعرّف نفسه بـ"البرلمان الحاخامي اليهودي".
ويقول الباحث إبراهيم إن أجندة هذا المجلس تتركز على إعادة الطقوس اليهودية للهيكل المزعوم، وتدريب المستوطنين على أداء القرابين الحيوانية، وتحديد موقع "قدس الأقداس"، بالإضافة إلى العمل على تصنيع أدوات الطقوس، مثل "البوق" الذي أعلن عن الانتهاء من تصنيعه عام 2022 وفق الشروط التوراتية.
ويعدّ "السنهدرين" مرجعية دينية للمنظمات المتطرفة، ويشارك حاخاماته في اقتحامات المسجد الأقصى، كما يوجه رسائل لقادة الاحتلال للمطالبة ببناء "الهيكل".
تغيير الفتوى الدينية لتشريع الاقتحامات
رغم استمرار المرجعية الحاخامية الرسمية في تحريم دخول اليهود إلى الأقصى لأسباب دينية، إلا أن "السنهدرين" و"منظمات الهيكل" يعملون على اختراق هذه المرجعية من خلال استقطاب حاخامات غير تقليديين، والسعي لتغيير الفتاوى القائمة.
وفي تموز 2020، أصدرت "منظمات الهيكل" رسالة وقعها نحو 60 حاخامًا تجيز اقتحام الأقصى، كما حاولت هذه الجماعات في عام 2024 الدفع بحاخامين متطرفين للترشح لمناصب رفيعة في الحاخامية الرسمية، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، رغم وجود إشارات إلى تعاطف بعض أعضاء الحاخامية مع رؤى "السنهدرين".
مشاركة حاخامية مباشرة في اقتحام الأقصى
يقول إبراهيم إن دور الحاخامات لا يقتصر على التحريض والتنظير، بل إنهم يشاركون ميدانيًا في اقتحامات المسجد الأقصى، حيث يقودون المجموعات المتطرفة، ويقدمون شروحات توراتية في الساحات، بل ويؤدون الطقوس اليهودية بشكل علني.
وفي نيسان 2022، شارك عدد من كبار الحاخامات في اقتحام جماعي للأقصى بهدف التنسيق لتحضيرات "عيد الفصح"، وكان من بينهم الحاخام يسرائيل أريئيل، والحاخام يعقوب هايمن، وآخرون من "السنهدرين" والمنظمات الاستيطانية.
وفي تشرين الأول من العام ذاته، عُقدت "قمة حاخامية" داخل الأقصى، شارك فيها الحاخام شاؤول بوخيكو، والحاخام شلومو ويلك، والحاخام يهودا شلّوش، أحد قادة "السنهدرين".
ومؤخرًا، في شباط وأيار 2025، قاد الحاخام المتطرف يهودا غليك اقتحامات رفقة مجموعات من السياح الأجانب، فيما تعمّد حاخامات كبار الجلوس والصلاة في أماكن متعددة من الأقصى، وسط حراسة شرطة الاحتلال.
وتشير هذه التطورات إلى تصعيد خطير في سياسات الاحتلال تجاه المسجد الأقصى، إذ تتحول الجماعات المتطرفة من أطراف هامشية إلى أدوات مؤثرة داخل مؤسسات القرار الديني والسياسي، وسط محاولات حثيثة لفرض وقائع دينية جديدة في المسجد الأقصى، تحت غطاء ديني يستند إلى فتاوى جديدة تقودها جماعات الحاخامات المتطرفين.