بروفة العدوان: "بداية الشهر العبرية" تمهيد لذروة الاعتداء على الأقصى في موسم الاعياد اليهودية بين 23/9/2025 و14/10/2025
لم تكن مناسبة "بداية الشهر العبري" في أيّ وقت من الأعياد المركزية في التعاليم التوراتية، فهو مجرّد طقس ثانوي مرتبط بدورة القمر. غير أنّ منظمات "المعبد" عملت خلال السنوات الماضية على إعادة صياغة هذا الطقس، وتحويله إلى مناسبة شهرية ثابتة لتصعيد العدوان على المسجد الأقصى. ومع كل مطلع شهر عبري بات المستوطنون يُدْعون علنًا لاقتحام الأقصى وأداء الطقوس اليهودية داخله، في مسعى لإنتاج إيقاع تهويدي متكرّر يجعل من وجود الطقوس اليهودية في قلب المسجد أمرًا "طبيعيًا" ومتواصلًا.
وهذه الخطوة لم تكنْ ارتجالية، بل جزء من استراتيجية تُسْتَثْمَرُ في كل مناسبة يهودية، - صغيرة كانت أو كبيرة -، كذريعة لزيادة حجم الاقتحامات وأداء الطقوس اليهودية داخل المسجد الأقصى. وبذلك فإن الأقصى يواجه اليوم تصعيدًا تراكميًا، إذْ لم يعد العدوان مقصورًا على الأعياد المركزية الكبرى، بل صار ممتدًا على طول العام.
الاعتداءات على المسجد الأقصى في بداية شهر أيلول "العبري": بروفة وعرض استباقي لما هو أعظم
ما جرى في المسجد الأقصى بالتزامن مع "بداية الشهر العبري" من شهر أيلول من عام 2025 كان بروفة صاخبة للعدوان القادم في موسم الأعياد اليهودية. فقد:
- كثّفت منظمات "المعبد" دعواتها لحشود المستوطنين قبيل المناسبة.
- اقتحم المسجد أكثر من 419 مستوطنًا بينهم جنود بلباس عسكري، في استعراضٍ يدمج بين القوة العسكرية والطقس الديني.
- جرى عقد قران علني داخل المسجد الأقصى، في محاولة خطيرة لتكريس حضوره كمكان جامع للطقوس والعلاقات الاجتماعية اليهودية معًا، إذ لا يقتصر في نظر المتطرفين على كونه "معبدًا" لأداء الشعائر اليهودي، بل يتحول إلى فضاء اجتماعي وحياتي، بما يرسّخ فكرة دمجه في النسيج اليومي للمجتمع الاستيطاني.
- أقيم احتفال ببلوغ أحد الفتية سنّ التكليف، بحضور حاخام صهيوني، مع التباهي العلني بإدخال أدوات الطقوس إلى الأقصى. وجاءت هذه الخطوة لتغرس في وعي الفتى - المستوطن - أنّ انتقاله من الطفولة إلى مرحلة النضج والمسؤولية لا يكتمل إلا بالارتباط بالـ"معبد" المزعوم، وحمل الأعباء الدينية الموكلة إليه، في محاولة لإنتاج جيل يرى في الأقصى ساحة طبيعية لتجسيد هويته الدينية والاجتماعية.
- شهد المسجد الأقصى مسيرة موسيقية نظّمتها فرقة تُسمّى "جوقة اللاويين" بلباس الكهنة، إذ انطلقت من ساحة البراق وجابت الأبواب الغربية والشمالية وصولًا إلى باب الأسباط، وأُقيم حفل موسيقي تزامنًا مع صلاتي المغرب والعشاء، فيما أغلق الاحتلال باب القطانين وشدّد حصاره على المصلين. وقد حاول المُنَظِمُون إظهار الفن كوسيلة للتعبّد وأداء الطقوس اليهودية، لا مجرد ترفيه، في إعلان صريح عن بعث طبقة "كهنة الهيكل" التي تزعم الأسطورة التوراتية أنها كانت تقود الطقوس في "المعبد" المزعوم.
حرصت منظمات 'المعبد' على توجيه رسالة واضحة وصريحة: ما جرى في الأقصى لم يكن سوى مقدمة، تمهيدًا لمزيد من الانتهاكات التي ستتجاوز كل الحدود في محاولة فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، خصوصًا مع اقتراب موسم الأعياد اليهودية الممتد ما بين 23/9/2025 و14/10/2025، هذا التصعيد ليس منفصلًا عن سياق حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة، إذ انطلقت المقاومة الفلسطينية في "طوفان الأقصى" عام 2023 ردًا على اعتداءات الاحتلال بحق الأقصى، وجاء توقيت العملية متقاطعًا مع موسم الأعياد اليهودية في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام. اليوم، تريد منظمات "المعبد" أن تقول بوضوح: "إنّ "طوفان الأقصى" لم ولن يردع مخططاتنا، وإن مشروع التهويد سيمضي قدمًا مهما كانت التضحيات، لتأكيد فرض واقع جديد داخل الأقصى واستباحته بالكامل".
الأقصى في قلب الصراع التاريخي
شهر أيلول العبري، يحمل في سجلّه التاريخي محطات مفصلية كانت المسجد الأقصى وعنوان المواجهة مع الاحتلال.
- في 8/10/1990 ارتُكبت مجزرة الأقصى حين قُتل عشرات المصلين بدم بارد.
- في 26/9/1996 اندلعت هبة النفق إثر افتتاح الاحتلال نفقًا ملاصقًا لجدار الأقصى، فسقط أكثر من 60 شهيدًا.
- في 28/9/2000 اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى، فانفجرت انتفاضة الأقصى التي استمرت سنوات.
- في 4/10/2015 اندلعت هبة السكاكين ردًا على تصعيد الاقتحامات.
- في 7/10/2023 انطلق طوفان الأقصى من غزة، ردًا على سنوات من العدوان والتهويد.
جميع هذه المحطات التاريخية تكشف بوضوح أنّ المسجد الأقصى كان ولا يزال مفجّر الصراع وشرارة التحولات الكبرى في فلسطين المحتلة، ومنذ 7/10/2023 وضع الكيان الإسرائيلي ومعه مؤسساته الأمنية والسياسية عنوانًا صريحًا للمعركة: "فرض السيادة الكاملة على المسجد الأقصى، واجتثاث المقاومة الفلسطينية التي تتصدّى للدفاع عنه". وفي ضوء تتبّع مجريات الأحداث منذ مطلع هذا العام وحتى اليوم، يمكن القول "إنّ الأقصى بات واقعًا _ ميدانيًا _ في قبضة الاحتلال"، بفعل ضعف الردع العربي والإسلامي من جهة، وتواطؤ قوى دولية مؤثّرة من جهة أخرى، وهذا الأمر الذي أتاح للاحتلالِ المضيَ في مخططاته التهويدية بلا كوابح حقيقية.
إنّ استمرار هذا التراخي يشجّع الاحتلال على المضي أبعد في مخططاته، مختبرًا حدود الصمت العربي والإسلامي. وإذا كان الاحتلال قد حول "رأس الشهر العبري" إلى منصة لإعلان الحرب على الأقصى، قبيل موسم الأعياد بين أيلول وتشرين الأول، يبرز السؤال الملح: هل ستبقى الأمة أسيرة الصمت؟ أم أنّ اللحظة ستعيد إنتاج معادلة الردع كما حصل في 1996، و2000، و2015، و2023، حين كان الأقصى الشرارة التي قلبت المعادلات؟
إنّ الأقصى اليوم لم يعد قضية مقدسية أو فلسطينية فحسب، بل أصبح ميزان كرامة الأمة كلها. ومن لم يُدرك هذا بعد، فإنّ ما يُحضَّر بين 23 أيلول و14 تشرين الأول 2025 سيجبره على الإدراك بطرق أشدّ قسوة وإيلامًا.