Blog

"القائمة الذهبية".. دربٌ نضالي قاسٍ لأجل الأقصى

بعد طريق طويلة في البوسطة، عادت إلى السجن متعبة يومَ محكمتها الخامسة لدرجة أنها لم تستطع إغماض جفونها، تعد الثواني والدقائق.. والصوت مسؤول القسم أرعد قلبها حين نادى عليها بعنجهية كي يخبرها أن هناك قرارًا بخلع حجابها وأنها ممنوعة من ارتداء جلبابها داخل القسم طوال فترة اعتقالها!

للوهلة الأولى لم تستطع "خديجة" الحديث، صدمة كبيرة أصابت قلبها وعقلها! فلم تستوعب ما قاله، وبعد دقيقتين استجمعت قواها وأخبرته أنها من المستحيل الانصياع لقرارهم هذا! وبكت لأول مرة أمام سجانها رغم أنها أُسرت 28 مرة ولم تبك من قبل!

قهرٌ لأجل الأقصى

منصة القدس 360 حاورت المرابطة المقدسية خديجة خويص، والتي استهلت حديثها عن الاعتقال الأقسى في مشوارها النضالي، تقول: "أوصلني مسؤول القسم إلى باب زنزانتي وكنت أبكي بصوت عالٍ، وأمر السجانة أن تنزع حجابي بالقوة، ودخلت الزنزانة والقهر يسكنني، فكيف بي وأنا محجبة منذ أن كان عمري سبع سنين أن يراني أنجاس القوم بلا حجاب أو جلباب".

 وتضيف متوجعة: "صرخت، كبّرت، ناديتُ المعتصم وصلاح الدين، قلت واغوثاه واإسلاماه وامعتصماااه، فلم تجبني سوى جدران الزنزانة بصدى الصوت، فبكيت ما يقارب الساعتين، وصليت يومها بلا حجاب أو جلباب، ووقت عد الصباح دخل السجانون إلى الزنزانة وعدت للبكاء وأنا أخبئ رأسي بين يديّ".

ودون أن تعلم السبب، نقلتها إدارة السجن إلى زنزانة أخرى في ذاك اليوم، تصفها قائلة: "كنت أظن أنها أفضل، ففوجئت بأنها متران بمترين، ومياه المرحاض تسيل على أرضيتها، وتحت الفراش صدأ وماء وحشرات ميتة".

وما زاد قهرها في هذه الزنزانة أن هناك كاميرتين ترصدان مكان النوم والمرحاض، تسهب في التفاصيل الموجعة: "باب الحمام زجاجي شفاف منخفض يصف ما خلفه، ويومها توضأت لأصلي العشاء، صليت بلا حجابي وجلبابي وبلا سجود لأنّ الأرض ليست طاهرة".

وفي اليوم التالي عند الخامسة فجراً، أعطت السجانة "خويص" حجابها وجلبابها كي تجهز نفسها للمحكمة، فوصلت مرهقة حد الإنهاك نفسيًا وجسديًا، فأخبرت المحامي قرارهم بنزع حجابها، وعن وضع الزنزانة الجديدة وقذارتها.. تكمل "خويص" كلامها: "يومها اجتمع قهر الدنيا كلّه في ملامح وجهي وتعابيره، ولمّا ترافع عنّي المحامي، ووصف لهم ما يحدث لي في السجن، أصيب الحاضرون بالوجوم والقهر، ونجح المحامي باستصدار أمرٍ من المحكمة بعدم انتزاعهما منّي وإعادتي لزنزانتي الأولى".

"قررت أن أنتزع حقي من عدوي بقوة"، تقول "خويص"، فحين عادت من المحكمة لم يطبق مسؤول السجن قرار المحكمة، فأردوا نزع حجابها مرة أخرى، وأعادوها للزنزانة نفسها، فصرخت وكبرت لمدة أربع ساعات، حتى جاء مدير السجن بسبب صراخها واطلع على قرار المحكمة واضطر للالتزام به.

ورغم الألم والوجع الذي سكن "خويص" في زنزانتها إلا أنها كانت تردد "لأجل القدس والأقصى يهون كل الألم"، فمنذ انضمامها إلى القائمة الذهبية عام 2008م يلاحقها المحتل الغاشم.

مسيرة نضالية عظيمة

فمن خلال مشروع مصاطب العلم الذي أطلقه المقدسيون عام 2008م، تشكل دور بارز للمرأة المقدسية التي أصبحت تتواجد في باحات الأقصى، وشكلت عائقًا كبيرًا لصد عمليات اقتحام قوات الاحتلال، تقول "خويص": "حين رأى الاحتلال ذلك منع مصاطب العلم عام 2015م، وأعلنوا عن أسماء خمسين مقدسية تمنع من دخول المسجد الأقصى".

أطلق المحتل الصهيوني عليهن "القائمة السوداء"، بينما سماها المقدسيون "القائمة الذهبية"، فهي تضم أسماء نساء مقدسيات قررن ألا يتركن الأقصى وحيدًا، فرابطن في أكنافه وانتشرن على مصطباته وأبوابه لحمايته من تهديدات المستوطنين".

 ورغم أنهن لم يسلمن من الضرب والاعتقال والإبعاد وذلك بتهمة التكبير في ساحات الأقصى، وتصوير اعتداءات المستوطنين والشرطة داخل باحات الأقصى وتوثيقها إلا أن قلوبهن تعلقت بالمسجد الأقصى وساحاته، فالجلوس هناك أصبح جزءًا من تفاصيل يومهن، ومقطعًا من مسيرة نضال طويلة لمواجهة المحتل الغاشم.

كما تنوعت الانتهاكات والإجراءات القمعية بحق المرابطات المقدسيات، كطردهن من باحات المسجد الأقصى، ومنعهن من الرباط والاعتقال لأكثر من 20 مرة، وفرض غرامات باهظة عليهن، واقتحام بيوتهن بشكل متكرر، وملاحقة أزواجهن وأبنائهن، وإبعادهن عن البلدة القديمة، عدا عن مصادرة بطاقات الهوية الخاصة بهن.

"يتمثل دور المرابطات تصديهم لحركات المستوطنين المستفزة التي تصل حد شتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما لهم دور في صد عدد كبير من الاقتحامات، حيث يقفن في وجه الشرطة تعلو تكبيراتهن، ويرفعن مصاحفهن ويغظن المحتل الغاشم" تختم "خويص" حديثها.

"ذهب الأقصى" أو القائمة الذهبية كما يسميهن البعض، شكلن صورة نضال متكاملة في ساحات الأقصى تنوعت أشكالها، كتقديم الأكلات الفلسطينية التراثية أمام جنود الاحتلال وسط هتافات المرابطات، وأخرى تتخذ زاوية من المسجد للاعتكاف والصلاة، بينما يجلس بعضهن حارسات على أبوابه، حتى أنهن يصفن شعور الإبعاد عن المسجد الأقصى بعبارة شهيرة بينهن: "كأم حرمت من ابنها".

زر الذهاب إلى الأعلى