تستمر محاولات الاحتلال لفرض واقع تهويدي جديد في القدس المحتلة، وتتعدد الوسائل التي يتبعها لفرض الهوية اليهودية على المدينة، ومن ذلك عبر الحدائق التوراتية التي تهدف إلى إحاطة المسجد الأقصى والبلدة القديمة بما يتناغم مع الرواية الدينية اليهودية، ويساهم في تكريس السيطرة الإسرائيلية وإقصاء الوجود الفلسطيني.
وليست فكرة الحدائق التوراتية بالجديدة، بل تعود إلى بدايات احتلال شرق القدس، وتبلغ مساحتها الإجمالية قرابة 2700 دونم أقيمت على أراضٍ صادرها الاحتلال من أصحابها المقدسيين.
بداية الفكرة وتطور التنفيذ
يشير الباحث في شؤون القدس علي إبراهيم إلى أنّ جذور فكرة الحدائق التوراتية تعود إلى ما بعد احتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس عام 1967، وبدأ العمل الجاد عليها منذ سبعينيات القرن الماضي. غير أن وتيرة تنفيذ هذه المشاريع شهدت تصاعدًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين، مع المصادقة على عدد من المخططات الهيكلية التي بلغ عددها سبع حدائق رئيسة، تنتشر على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في المدينة.
ومن أبرز الحدائق التوراتية في القدس الحديقة التوراتية المحيطة بالبلدة القديمة، وهي الأكبر حيث تمتد على مساحة 1100 دونم ملاصقة لسور القدس والأقصى، وتستهدف أجزاء من مقبرة الرحمة، كما تضم عددًا من الحفريات والمواقع الأثرية، وحديقة وادي الصوانة، و"حديقة الملك" في حي البستان بسلوان، وحديقة "شمعون الصديق" في حي الشيخ جراح.
أهداف سياسية مغلفة بالطابع الديني
ورغم التسمية الدينية، يرى الباحث إبراهيم أن الحدائق التوراتية مصطلح تضليلي يهدف إلى تثبيت رواية الاحتلال الدينية في القدس، عبر تزييف الطابع التاريخي للمدينة، وتكريسها كعاصمة موحدة لدولة الاحتلال، بما يشمل محيط المسجد الأقصى، وأسوار القدس التاريخية، والمقابر الإسلامية، والأجزاء الشرقية والجنوبية من المدينة.
ووفق منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، فإن هذه الحدائق تهدف بالأساس إلى دفع أهداف وغايات سياسيّة مثل الحفاظ على أغلبيّة يهوديّة في القدس، وإنشاء تواصل مناطقيّ من دون سكان فلسطينيّين –من البلدة القديمة وحتى منطقة المستوطنات المخطّطة في E1 وتكثيف الوجود اليهوديّ في شرقيّ المدينة. وتضيف أن الإعلان عن هذه الحدائق يدفع هذه الأهداف ويعززها، إذ إنّ نتيجته المباشرة تتمثل في منع البناء والتطوير البلديّ في نطاق الحدائق بشكل شبه تام، ما يجعلها أداة ناجعة وبالغة القوّة تخدم تلك الأهداف السياسيّة بشكل أفضل من الأدوات البلديّة التي تسعى لحصر التخطيط والبناء وتحديدهما.
تمويل ضخم وجهات متعددة
منذ عام 2005، ازدادت المخصصات المالية الحكومية لتطوير الحدائق التوراتية بشكل ملحوظ.
ويقول الباحث إبراهيم إنّ ميزانيات ضخمة رصدت لها ضمن خطط التهويد الشاملة، تحت عناوين مثل "تعزيز السياحة" و"تطوير القدس".
وتشارك في تنفيذ هذه المشاريع عدة جهات إسرائيلية أبرزها جمعية "إلعاد" الاستيطانية، وسلطة الطبيعة والحدائق، وبلدية الاحتلال في القدس، وشركة تطوير القدس.
تصعيد متواصل وحدائق استيطانية جديدة
يشير إبراهيم إلى أنه بالتوازي مع مشروع الحدائق التوراتية، تستمر بلدية الاحتلال في إقامة حدائق استيطانية جديدة، خاصة في ظل العدوان المتواصل على غزة منذ أكتوبر 2023. ففي شباط 2024، على سبيل المثال، كُشف عن اتفاقية بين بلدية الاحتلال والصندوق القومي اليهودي لتحويل أراضٍ في بيت حنينا وحزما إلى غابة استيطانية بمساحة 1000 دونم، وفي تموز 2024، افتُتحت ثلاث حدائق جديدة في المالحة، وجبل المكبر، وبيت حنينا.