أسطول الصمود لغزة: معكِ حتى الموج الأخير
لوّحت له أمه في مطار جاكرتا من بعيد، غلبتها الدموع وهي تودّع فلذة كبدها، لكنها تدرك في قرارة قلبها أنه ليس ابنها وحدها.. إنه ابن غزة أيضًا، يعرفها وتعرفه، يحفظ أزقتها ومساجدها ووجوه أهلها، وتحفظ وجهه جيدًا كما لو كان واحدًا من أبنائها، فله على الأرض عائلتان: عائلة في جاكرتا حيث وُلد، وأخرى في غزة حيث يُباد الأهل والأحباب. ولطالما ردّد بيقين راسخ: "أنا ابن جاكرتا وغزة."
ردُّ الجميل لغزة
ست سنوات قضاها "فريد زنجبيل" في غزة طالبًا في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية جعلت من المخيم بيته، ومن قلوب أهل غزة ملاذًا وحضنًا، حتى شعر أنه أصبح واحدًا منهم، أما اليوم، فهو يبحر متحديًا الحصار والموت، لم يحمل معه إلا وعدًا واحدًا وردًا للجميل مفاده: "أنا معكم حتى الموج الأخير!"
يدرك "فريد" قلق أمه عليه، فقد أجهشت بالبكاء حين ودعته، يقول في حواره مع منصة القدس 360 قبل أن تنطلق السفينة التي كان على متنها: "قبل الحرب احتضنني أهل غزة فكانوا لي أهلًا في غربتي، فجوع أطفالهم الذين كنت أراهم يعيشون أجمل أيامهم يمزق قلبي، وأشعر أن مشاركتي في هذا الأسطول واجب علي"، ويضيف بنبرة الفخر: "أشعر أن دوري الآن أن أنسج جسرًا إنسانيًا بين شعبي فلسطين واندونيسيا، لا سيما أن اندونيسيا عرفت بتضامنها الكبير مع فلسطين حتى قبل نشوب الحرب".
يكمل "فريد" حديثه لمنصة القدس 360: " كل المشاركين في الأسطول يعلمون أننا نذهب نحو غزة تحت خطر المحتل الغاشم الذي استهدف وقتل كثيرًا من المشاركين على متن أسطول الحرية قبل سنوات، لكننا نحمل إرادة أكبر من تهديده، ورسالة أعمق من أن نخاف ونتراجع عن الطريق الذي أبحرنا فيه رغم علم الجميع أن عيون المحتل ترصد خطواتنا".
على متن أسطول الصمود، لم يكن فريد وحده.. فقد أبحر إعلاميون وشخصيات وناشطون من دول العالم أجمع نحو غزة، من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، ومن مختلف الألوان والأجناس واللغات والأعراق والأديان والرايات.. جمعهم طريق واحد وعهد واحد لغزة: "لن نتركك وحدك"!
وفي حوار مع الإعلامي الاندونيسي ريفا عارفين المشارك في أسطول الصمود العالمي، وهو أحد رؤساء مجموعة العمل للأقصى في جاكرتا، يقول في حديثه إلى منصة القدس 360:
"أسطول الصمود العالمي ليس مجرد قوارب، بل هو اجتماع شعوب من كل قارات الأرض من 44 دولة تقريبًا.. انطلق في العاشر من يوليو 2025م، وهو مبادرة دولية شعبية، تحملها سفن من موانئ البحر الأبيض المتوسط، متجهة نحو غزة المحاصرة منذ عام 2007"، مؤكدًا على أن الغاية ليست إيصال المساعدات فحسب، بل كسر الحصار المطبق على أهل غزة منذ أكثر من تسعة عشر عامًا.
غزة ليست وحدها
الممثل التونسي "محمد مراد" الذي ترك حياة الرفاهية والمادية كما قال، أرسل أيضًا رسالة إلى أهل غزة جميعهم قبل أن ينطلق على متن الأسطول: "لسنا أبناء وطن واحد ولكن الإنسانية ورسالتها تحتم علي أن أترك حياة مدينتي الهادئة وأبحر لاجل أطفال يبكون جوعًا ولأجل أطفال يفقدون حياتهم من الحصار والمطبق عليهم ولأجل أمهات خائفات وآباء منكسرين".
كما وصف صانع المحتوى "يوسف عمر" ما تعرضت له أكبر سفن أسطول الصمود "سفينة العائلة" من استهداف قوات الاحتلال لها: "كنت نائمًا على السطح العلوي عندما حلقت طائرة مسيرة فوقنا وأسقطت متفجرات على مقدمة السفينة وانفجرت، واندلعت كرة كبيرة من اللهب في السماء"، ويكمل حديثه باستنكار كبير: "كانت مقدمة السفينة مشتعلة بالنار بجوار مكان تخزين الديزل مباشرة، ولكن الفريق تمكن من إخماد الحريق لكنه كان هجومًا مستهدفًا، هذه جريمة حرب من قبل المحتل الغاشم فكيف يستهدف سفينة ترسل مساعدات إنسانية إلى غزة!!!".
كل من على متن الأسطول المغاربي للصمود، الذي أطلقته "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" في تونس حمل في قلبه شعار الأسطول" أشرعتنا نحو غزة، وغايتنا كسر الحصار"، كما حملوا راية واحدة: "لن نترك غزة وحيدة"!